..[ درجات الجنة العليا ]..
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
..[ درجات الجنة العليا ]..
الشيخ حبيب الكاظمي
طمع المؤمن..
إن الإنسان المؤمن لا يطمع في دخول الجنة، وإنما يطمع في الدرجات العليا!.. نحن في حياتنا الدنيا من الممكن أن نعيش الكفاف، فنسكن في منزل متواضع صغير، ولكننا نطور أمورنا، ونحاول أن نمتلك أوسع البيوت، وأسرع الدواب، و..الخ من متاع الدنيا؛ مع أن هذه الحياة حياة زائلة محدودة!.. بينما حري بالمؤمن، أن يفكر في الدرجات العليا في الجنة، حيث يعيش مليارات السنين بل إلى الأبد، هناك يشعر الإنسان بالفرق بين أن يكون في أعلى درجات الجنة، أو في أسفل الدرجات!..
الدرجات المخصوصة..
إن الروايات فيها إشارات من هنا وهناك، وإلا القضية أعظم وأعمق!.. وهذه الروايات ليست في مقام الحصر، وإنما هذه بعض موجبات التميز في الجنة:
1. روي عن رسول الله (): (إن في الجنة منازل، لا ينالها العباد بأعمالهم؛ ليس لها علاقة من فوقها، ولا عماد من تحتها.. قيل: يا رسول اللّه، من أهلها؟.. فقال: أهل البلايا والهموم)..
-(إن في الجنة منازل لا ينالها العباد بأعمالهم، ليس لها علاقة من فوقها، ولا عماد من تحتها).. كأنها جنة معلقة بين السماء والأرض!..
-(قيل: يا رسول اللّه، من أهلها؟.. فقال: أهل البلايا والهموم).. إن الإنسان الذي تأتيه البلايا والهموم، من الممكن أن يبلغ درجة في الجنة بلا عمل؛ لأن هذا الإنسان قلبه محزون، والقلب الحزين من موجبات دخول صاحبه الجنة في تلك الدرجة المخصوصة.. حيث أن هناك فرقاً بين إنسان من الصباح إلى الليل يسرح ويمرح ويفرح ويضحك، وبين إنسان يحمل همّ عياله، وقوت يومه، كما ورد في بعض الروايات أن الأنبياء وأولاد الأنبياء مبتلون اقتصادياً وأمنياً وبدنياً، روي عن الإمام الكاظم (عليه السلام): (إنّ الأنبياء، وأولاد الأنبياء، وأتباع الأنبياء؛ خُصوا بثلاث خصال: السقم في الأبدان، وخوف السلطان، والفقر)؛ يعيشون حالة المتابعة.
2. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (): (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ دَرَجَةً لا يَبْلُغُهَا إِلا إِمَامٌ عَادِلٌ، أَوْ ذُو رَحِمٍ وَصُولٌ، أَوْ ذُو عِيَالٍ صَبُورٌ".. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ!.. مَا صَبْرُ ذِي الْعِيَالِ؟.. قَالَ: "لا يَمُنُّ عَلَى أَهْلِهِ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ)..
-(إِنَّ فِي الْجَنَّةِ دَرَجَةً لا يَبْلُغُهَا).. إن الجنة ليست كحديقة متشابهة، بل فيها درجات فوق التصور!..
أولاً: (إِلا إِمَامٌ عَادِلٌ).. هناك من يقول: "أن الإمام العادل هو الذي يترك المعاصي"، ولعل هذا الترك لأن أرضية الحرام غير موجودة.. ولكن هناك فرقاً بين هذا التعريف وبين من يقول: بـ"أن العدالة ملكة في النفس"؛ أي لو وجد الحرام أيضاً لا يرتكبه!.. والذي يمتلك الملكة عادة تبقى معه إلى آخر العمر، فالإنسان الذي عاش عشرين أو ثلاثين سنة، وهو إمام عادل؛ من الصعب أن يتراجع، فالانتكاسة عادة قليلة في هذا المجال، وخاصة إذا كانت عدالته من بلوغه!.. فبعض العلماء منذ أن بلغوا إلى أن ماتوا وهم تقريباً يمكن أن يقال: أن العدالة مازالت منهم!.. بل إن بعض المؤمنين يلتزمون بكل العبادات: صوماً، وصلاةً، وحجاً قبل البلوغ بسنة أو سنتين.. هنيئاً لهكذا إنسان كان مراقباً لنفسه من قبل سن البلوغ، هذا الإنسان من الطبيعي أن يصل إلى هذه الدرجة المتميزة!..
ثانياً: (ذُو رَحِمٍ وَصُولٌ).. إن بعض الناس قد لا يصل إلى درجة العدالة، ولكن لديه فرصة أخرى وهي صلة الرحم.. فكلمة الوصول فيها مبالغة، والمبالغة أي من الكثرة، ورد في رواية أنه: (الْتَقَى يُونُسُ وَجِبْرِيلُ (عليهما السلام)، فقال يونس يا جبريل، دلني على أعبد أهل الأرض!.. قَالَ: فَأَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ قَطَعَ الْجُذَامُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: مَتَّعْتَنِي بِهِمَا حَيْثُ شِئْتَ، وَسَلَبْتَنِيهِمَا حَيْثُ شِئْتَ، وَأَبْقَيْتَ لِي فِيكَ طُولَ الأَمَلِ، يَا بَارُّ يَا وَصُولُ.. فَقَالَ يُونُسُ: يَا جِبْرِيلُ، إِنِّي إِنَّمَا سَأَلْتُكَ أَنْ تُرِينِيهِ صَوَّامًا قَوَّامًا، قَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ الْبَلاءِ قَانِتًا لِلَّهِ هَكَذَا، وَقَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْلُبَهُ بَصَرَهُ.. قَالَ: فَأَشَارَ إِلَى عَيْنَيْهِ، فَسَالَتَا!.. فَقَالَ: مَتَّعْتَنِي بِهِمَا حَيْثُ شِئْتَ، وَسَلَبْتَنِيهِمَا حَيْثُ شِئْتَ، وَأَبْقَيْتَ لِي فِيكَ طُولَ الأَمَلِ، يَا بَارُّ يَا وَصُولُ.. فَقَالَ جِبْرِيلُ: هَلُمَّ تَدْعُو اللَّهَ وَنَدْعُو مَعَكَ، فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْكَ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ وَبَصَرَكَ، فَتَعُودُ إِلَى الْعِبَادَةِ الَّتِي كُنْتَ فِيهَا، قَالَ: مَا أُحِبُّ ذَاكَ، قَالَ: وَلِمَ؟.. قَالَ: أَمَّا إِذَا كَانَتْ مَحَبَّتُهُ فِي هَذَا فَمَحَبَّتُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ ذَاكَ، قَالَ يُونُسُ: يَا جِبْرِيلُ، بِاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْبَدَ مِنْ هَذَا قَطُّ، قَالَ جِبْرِيلُ: يَا يُونُسُ هَذَا طَرِيقٌ لا يُوصَلُ إِلَى اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْهُ)؛ فإذن، وصول؛ أي كثير الصلة!.. وهذا العبد كان يناجي ربه قائلاً: "يا بار يا وصول" رغم أنه كان في أعلى درجات البلاء.. بينما هناك من لا يصل رحمه إلا إذا وصله، فلا يزور أخاه أو ابن عمه أو خاله أو عمه إلا إذا زاره؛ أي أنه يصل رحمه المنسجم معه، والذي يكرمه، ويزوره.. هذه ليست صلة الرحم الكاملة، إنما "أفضل الصلة صلة الرحم الكاشح"؛أي المعرض عنك، بل الذي يؤذيك هذه أفضل صلة الرحم.
أ- روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): (إنّ رجلاً أتى النبي () فقال: يا رسول الله!.. إنّ لي أهلاً قد كنت أصلهم وهم يؤذوني، وقد أردت رفضهم، فقال له رسول الله (): إذن يرفضكم الله جميعاً، قال: وكيف أصنع؟.. قال: تعطي من حرمك، وتصل من قطعك، وتعفو عمّن ظلمك، فإذا فعلت ذلك كان الله عزّ وجلّ لك عليهم ظهيراً).. قال ابن طلحة: فقلت له (عليه السلام): ما الظهير؟.. قال: (العون).
ب- وفي رواية عن الإمام عليّ (عليه السلام): (قيل لرسول الله (): يا رسول الله!.. أيّ الصدقة أفضل؟.. فقال: على ذي الرحم الكاشح).
ج- إن الأئمة (عليهم السلام) كانوا مبتلين بأبناء عمومة ليسوا على مسلكهم، فهذا الإمام السجاد (عليه السلام) يُسب من قبل أحدهم ومع ذلك يذهب إلى داره.. يروى أنه "وقف على علي بن الحسين (عليه السلام) رجل من أهل بيته، فأسمعه وشتمه؛ فلم يكلّمه.. فلما انصرف قال لجلسائه: قد سمعتم ما قال هذا الرجل، وأنا اُحب أن تبلغوا معي إليه؛ حتّى تسمعوا منّي ردي عليه.. فقالوا له: نفعل، ولقد كنّا نحبّ أن تقوله له ونقول، قال: فأخذ نعليه ومشى وهو يقول:﴿...وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمحْسِنِينَ﴾، فعلمنا أنّه لا يقول له شيئاً.. قال: فخرج إلينا متوثباً للشر وهو لا يشك أنّه إنّما جاءه مكافياً له على بعض ما كان منه، فقال له علي بن الحسين (عليه السلام): «يـا أَخي إنَّكَ كُنتَ قَد وَقفتَ عليَّ آنفاً قُلتَ وَقُلتَ، فإن كُنتَ قَد قُلتَ ما فيَّ؛ فأنا استغفرُ اللهَ مِنهُ.. وإن كُنتَ قُلتَ ما لَيس فيَّ؛ فَغفرَ اللهُ لَكَ».. قال (الراوي) فقبل الرجل بين عينيه وقال: بلى!.. قلت فيك ما ليس فيك، وأنا أحق به.. قال الراوي الحديث: والرجل هو الحسن بن الحسن (عليه السلام)".
قد يقول قائل: أليس هذا من الذلة؛ أن يعرض إنسان عنك فتذهب إلى منزله وتتصل به؟!.. لا ليس هذا من الذل أبداً، يقول تعالى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾؛ فخفض جناح الذل من الرحمة؛ هذا يُسمى عزة لا ذلة.. ألا يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾؟!..
ثالثاً: (ذُو عِيَالٍ صَبُور)..إن بعض الآباء يبلغ عدد أفراد عائلته عشرة، بل أكثر من ذلك، وهو صبور!.. فتارة يكون لدى الإنسان عشرة أولاد ولكل راتبه، هنا هؤلاء الأولاد يعينون آباءهم، فإن دفع كل واحد عشر راتبه مثلاً، فإن الأب يصبح مستغنياً.. وتارة هناك إنسان له عائلة كبيرة، ولا يديرهم كما ينبغي، وكل يوم هذا يطالبه وهذا يطالبه، وليس هناك أصعب من عدم استجابة حاجة الأولاد!.. فمن لا يلبي حاجة ولده لمصلحة هذا أمر آخر، ولكن أحياناً يكون المطلب راجحاً ومع ذلك لا يستطيع تلبية طلبه؛ هنا يطأطئ برأسه خجلاً!.. هذا المقصود بذي العيال الصبور.
3. قال النبي (): (إن في الجنة غرفاً يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، يسكنها من أمتي: مَن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام).. فكما أن هناك درجات متميزة في كل مكان في الدنيا، مثل الطائرة مثلاً هناك درجة رجال الأعمال.. أيضاً هناك درجات خاصة في الجنة، وعلى المؤمنين التنافس للوصول إليها، روي عن الإمام السجاد (عليه السلام): (معاشر شيعتنا!.. أما الجنة فلن تفوتكم سريعاً كان أو بطيئاً، ولكن تنافسوا في الدرجات...).
-(إن في الجنة غرفاً).. الغرف؛ أي بيوت وقصور.. والجنة ليست كالدنيا، بل هي طوابيق قد تكون من الذهب والفضة، وأشياء لا تخطر في البال.
-(يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها).. انظروا إلى هذا القصر الغريب!.. يبدو أنه قصر زجاجي مكشوف، هذا القصر من المؤكد أنه يطل على مناظر جميلة، فرب العالمين له أشكال وألوان من القصور!..
-( يسكنها من أمتي)..هذه عناية خاصة لبعض المؤمنين.. لذا، على الإنسان أن يحاول العمل بهذه الرواية:
أولاً: طيب الكلام.. أي كلامه طيب، أما صاحب الفحش؛ فهذا كلامه غير طيب، كالمغتاب مثلاً.. بعض الناس لا يُسمع منه كلام فحش، ولا أي كلام قاسٍ، بل من الصباح إلى الليل وهو يهش ويبش!.. روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (المؤمن بشره في وجهه، وحزنه في قلبه).. المؤمن بشره للعالم لا للمؤمنين ولا للمسلمين فقط، بل للعالم!..
ثانياً: إطعام الطعام.. إن إطعام الطعام ليس في كل يوم، ولكن إجمالاً له صفة إطعام الطعام، وهذه صفة إبراهيمية، فإبراهيم صار خليلاً لإطعامه الطعام، قال رسول الله (): (ما اتّخذ الله إبراهيم خليلاً؛ إلاّ لإطعامه الطعام، وصلاته باللّيل والناس نيام).. أيضا هذا أمر سهل، وهذه الأيام باتصال هاتفي بالمطاعم، يأتي الإنسان بأنواع الطعام؛ فهذا من مصاديق إطعام الطعام؛ فهو لم يقل: طبخ الطعام!..
ثالثاً: إفشاء السلام.. بعض الناس لا يسلم، حتى يُسلّم عليه.. فإن سلموا عليه، يرد السلام لأن هذا تكليف، وواجب شرعي كما ورد عن رسول الله ():(السلام تطوع، والرد فريضة).. بينما من صفات المؤمن أنه هو الذي يبادر بإلقاء التحية والسلام، وثواب البدء بالسلام أكثر من رد السلام.. عن أبي عبد الله (عليه السلام):(البادئ بالسلام، أولى بالله وبرسوله ()).. وفي رواية أخرى عنه (عليه السلام): (من قال: السلام عليكم؛ فهي عشر حسنات.. ومن قال: سلام عليكم ورحمة الله؛ فهي عشرون حسنة.. ومن قال: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ فهي ثلاثون حسنة).. وإفشاء السلام؛ أي أن يُسلّم على كل ما يلقاه؛ وهذه صفة طيبة في المؤمن!..
رابعاً: قيام الليل.. إن هذا المطلب هو الأصعب، ولكنه أيضاً سهل لأهله!.. فهذا القصر المتميز، هذا القصر الزجاجي؛ يستحق هذا العمل؛ ألا هو الصلاة والناس نيام.
فإذن، هو في النهار: يسلم، ويطعم الطعام، ويطيب الكلام.. وفي الليل: يقيم الصلاة!.. هكذا المؤمن يجمع بين علاقة متميزة بالله عز وجل، وبين الناس.
طمع المؤمن..
إن الإنسان المؤمن لا يطمع في دخول الجنة، وإنما يطمع في الدرجات العليا!.. نحن في حياتنا الدنيا من الممكن أن نعيش الكفاف، فنسكن في منزل متواضع صغير، ولكننا نطور أمورنا، ونحاول أن نمتلك أوسع البيوت، وأسرع الدواب، و..الخ من متاع الدنيا؛ مع أن هذه الحياة حياة زائلة محدودة!.. بينما حري بالمؤمن، أن يفكر في الدرجات العليا في الجنة، حيث يعيش مليارات السنين بل إلى الأبد، هناك يشعر الإنسان بالفرق بين أن يكون في أعلى درجات الجنة، أو في أسفل الدرجات!..
الدرجات المخصوصة..
إن الروايات فيها إشارات من هنا وهناك، وإلا القضية أعظم وأعمق!.. وهذه الروايات ليست في مقام الحصر، وإنما هذه بعض موجبات التميز في الجنة:
1. روي عن رسول الله (): (إن في الجنة منازل، لا ينالها العباد بأعمالهم؛ ليس لها علاقة من فوقها، ولا عماد من تحتها.. قيل: يا رسول اللّه، من أهلها؟.. فقال: أهل البلايا والهموم)..
-(إن في الجنة منازل لا ينالها العباد بأعمالهم، ليس لها علاقة من فوقها، ولا عماد من تحتها).. كأنها جنة معلقة بين السماء والأرض!..
-(قيل: يا رسول اللّه، من أهلها؟.. فقال: أهل البلايا والهموم).. إن الإنسان الذي تأتيه البلايا والهموم، من الممكن أن يبلغ درجة في الجنة بلا عمل؛ لأن هذا الإنسان قلبه محزون، والقلب الحزين من موجبات دخول صاحبه الجنة في تلك الدرجة المخصوصة.. حيث أن هناك فرقاً بين إنسان من الصباح إلى الليل يسرح ويمرح ويفرح ويضحك، وبين إنسان يحمل همّ عياله، وقوت يومه، كما ورد في بعض الروايات أن الأنبياء وأولاد الأنبياء مبتلون اقتصادياً وأمنياً وبدنياً، روي عن الإمام الكاظم (عليه السلام): (إنّ الأنبياء، وأولاد الأنبياء، وأتباع الأنبياء؛ خُصوا بثلاث خصال: السقم في الأبدان، وخوف السلطان، والفقر)؛ يعيشون حالة المتابعة.
2. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (): (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ دَرَجَةً لا يَبْلُغُهَا إِلا إِمَامٌ عَادِلٌ، أَوْ ذُو رَحِمٍ وَصُولٌ، أَوْ ذُو عِيَالٍ صَبُورٌ".. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ!.. مَا صَبْرُ ذِي الْعِيَالِ؟.. قَالَ: "لا يَمُنُّ عَلَى أَهْلِهِ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ)..
-(إِنَّ فِي الْجَنَّةِ دَرَجَةً لا يَبْلُغُهَا).. إن الجنة ليست كحديقة متشابهة، بل فيها درجات فوق التصور!..
أولاً: (إِلا إِمَامٌ عَادِلٌ).. هناك من يقول: "أن الإمام العادل هو الذي يترك المعاصي"، ولعل هذا الترك لأن أرضية الحرام غير موجودة.. ولكن هناك فرقاً بين هذا التعريف وبين من يقول: بـ"أن العدالة ملكة في النفس"؛ أي لو وجد الحرام أيضاً لا يرتكبه!.. والذي يمتلك الملكة عادة تبقى معه إلى آخر العمر، فالإنسان الذي عاش عشرين أو ثلاثين سنة، وهو إمام عادل؛ من الصعب أن يتراجع، فالانتكاسة عادة قليلة في هذا المجال، وخاصة إذا كانت عدالته من بلوغه!.. فبعض العلماء منذ أن بلغوا إلى أن ماتوا وهم تقريباً يمكن أن يقال: أن العدالة مازالت منهم!.. بل إن بعض المؤمنين يلتزمون بكل العبادات: صوماً، وصلاةً، وحجاً قبل البلوغ بسنة أو سنتين.. هنيئاً لهكذا إنسان كان مراقباً لنفسه من قبل سن البلوغ، هذا الإنسان من الطبيعي أن يصل إلى هذه الدرجة المتميزة!..
ثانياً: (ذُو رَحِمٍ وَصُولٌ).. إن بعض الناس قد لا يصل إلى درجة العدالة، ولكن لديه فرصة أخرى وهي صلة الرحم.. فكلمة الوصول فيها مبالغة، والمبالغة أي من الكثرة، ورد في رواية أنه: (الْتَقَى يُونُسُ وَجِبْرِيلُ (عليهما السلام)، فقال يونس يا جبريل، دلني على أعبد أهل الأرض!.. قَالَ: فَأَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ قَطَعَ الْجُذَامُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: مَتَّعْتَنِي بِهِمَا حَيْثُ شِئْتَ، وَسَلَبْتَنِيهِمَا حَيْثُ شِئْتَ، وَأَبْقَيْتَ لِي فِيكَ طُولَ الأَمَلِ، يَا بَارُّ يَا وَصُولُ.. فَقَالَ يُونُسُ: يَا جِبْرِيلُ، إِنِّي إِنَّمَا سَأَلْتُكَ أَنْ تُرِينِيهِ صَوَّامًا قَوَّامًا، قَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ الْبَلاءِ قَانِتًا لِلَّهِ هَكَذَا، وَقَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْلُبَهُ بَصَرَهُ.. قَالَ: فَأَشَارَ إِلَى عَيْنَيْهِ، فَسَالَتَا!.. فَقَالَ: مَتَّعْتَنِي بِهِمَا حَيْثُ شِئْتَ، وَسَلَبْتَنِيهِمَا حَيْثُ شِئْتَ، وَأَبْقَيْتَ لِي فِيكَ طُولَ الأَمَلِ، يَا بَارُّ يَا وَصُولُ.. فَقَالَ جِبْرِيلُ: هَلُمَّ تَدْعُو اللَّهَ وَنَدْعُو مَعَكَ، فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْكَ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ وَبَصَرَكَ، فَتَعُودُ إِلَى الْعِبَادَةِ الَّتِي كُنْتَ فِيهَا، قَالَ: مَا أُحِبُّ ذَاكَ، قَالَ: وَلِمَ؟.. قَالَ: أَمَّا إِذَا كَانَتْ مَحَبَّتُهُ فِي هَذَا فَمَحَبَّتُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ ذَاكَ، قَالَ يُونُسُ: يَا جِبْرِيلُ، بِاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْبَدَ مِنْ هَذَا قَطُّ، قَالَ جِبْرِيلُ: يَا يُونُسُ هَذَا طَرِيقٌ لا يُوصَلُ إِلَى اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْهُ)؛ فإذن، وصول؛ أي كثير الصلة!.. وهذا العبد كان يناجي ربه قائلاً: "يا بار يا وصول" رغم أنه كان في أعلى درجات البلاء.. بينما هناك من لا يصل رحمه إلا إذا وصله، فلا يزور أخاه أو ابن عمه أو خاله أو عمه إلا إذا زاره؛ أي أنه يصل رحمه المنسجم معه، والذي يكرمه، ويزوره.. هذه ليست صلة الرحم الكاملة، إنما "أفضل الصلة صلة الرحم الكاشح"؛أي المعرض عنك، بل الذي يؤذيك هذه أفضل صلة الرحم.
أ- روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): (إنّ رجلاً أتى النبي () فقال: يا رسول الله!.. إنّ لي أهلاً قد كنت أصلهم وهم يؤذوني، وقد أردت رفضهم، فقال له رسول الله (): إذن يرفضكم الله جميعاً، قال: وكيف أصنع؟.. قال: تعطي من حرمك، وتصل من قطعك، وتعفو عمّن ظلمك، فإذا فعلت ذلك كان الله عزّ وجلّ لك عليهم ظهيراً).. قال ابن طلحة: فقلت له (عليه السلام): ما الظهير؟.. قال: (العون).
ب- وفي رواية عن الإمام عليّ (عليه السلام): (قيل لرسول الله (): يا رسول الله!.. أيّ الصدقة أفضل؟.. فقال: على ذي الرحم الكاشح).
ج- إن الأئمة (عليهم السلام) كانوا مبتلين بأبناء عمومة ليسوا على مسلكهم، فهذا الإمام السجاد (عليه السلام) يُسب من قبل أحدهم ومع ذلك يذهب إلى داره.. يروى أنه "وقف على علي بن الحسين (عليه السلام) رجل من أهل بيته، فأسمعه وشتمه؛ فلم يكلّمه.. فلما انصرف قال لجلسائه: قد سمعتم ما قال هذا الرجل، وأنا اُحب أن تبلغوا معي إليه؛ حتّى تسمعوا منّي ردي عليه.. فقالوا له: نفعل، ولقد كنّا نحبّ أن تقوله له ونقول، قال: فأخذ نعليه ومشى وهو يقول:﴿...وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمحْسِنِينَ﴾، فعلمنا أنّه لا يقول له شيئاً.. قال: فخرج إلينا متوثباً للشر وهو لا يشك أنّه إنّما جاءه مكافياً له على بعض ما كان منه، فقال له علي بن الحسين (عليه السلام): «يـا أَخي إنَّكَ كُنتَ قَد وَقفتَ عليَّ آنفاً قُلتَ وَقُلتَ، فإن كُنتَ قَد قُلتَ ما فيَّ؛ فأنا استغفرُ اللهَ مِنهُ.. وإن كُنتَ قُلتَ ما لَيس فيَّ؛ فَغفرَ اللهُ لَكَ».. قال (الراوي) فقبل الرجل بين عينيه وقال: بلى!.. قلت فيك ما ليس فيك، وأنا أحق به.. قال الراوي الحديث: والرجل هو الحسن بن الحسن (عليه السلام)".
قد يقول قائل: أليس هذا من الذلة؛ أن يعرض إنسان عنك فتذهب إلى منزله وتتصل به؟!.. لا ليس هذا من الذل أبداً، يقول تعالى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾؛ فخفض جناح الذل من الرحمة؛ هذا يُسمى عزة لا ذلة.. ألا يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾؟!..
ثالثاً: (ذُو عِيَالٍ صَبُور)..إن بعض الآباء يبلغ عدد أفراد عائلته عشرة، بل أكثر من ذلك، وهو صبور!.. فتارة يكون لدى الإنسان عشرة أولاد ولكل راتبه، هنا هؤلاء الأولاد يعينون آباءهم، فإن دفع كل واحد عشر راتبه مثلاً، فإن الأب يصبح مستغنياً.. وتارة هناك إنسان له عائلة كبيرة، ولا يديرهم كما ينبغي، وكل يوم هذا يطالبه وهذا يطالبه، وليس هناك أصعب من عدم استجابة حاجة الأولاد!.. فمن لا يلبي حاجة ولده لمصلحة هذا أمر آخر، ولكن أحياناً يكون المطلب راجحاً ومع ذلك لا يستطيع تلبية طلبه؛ هنا يطأطئ برأسه خجلاً!.. هذا المقصود بذي العيال الصبور.
3. قال النبي (): (إن في الجنة غرفاً يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، يسكنها من أمتي: مَن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام).. فكما أن هناك درجات متميزة في كل مكان في الدنيا، مثل الطائرة مثلاً هناك درجة رجال الأعمال.. أيضاً هناك درجات خاصة في الجنة، وعلى المؤمنين التنافس للوصول إليها، روي عن الإمام السجاد (عليه السلام): (معاشر شيعتنا!.. أما الجنة فلن تفوتكم سريعاً كان أو بطيئاً، ولكن تنافسوا في الدرجات...).
-(إن في الجنة غرفاً).. الغرف؛ أي بيوت وقصور.. والجنة ليست كالدنيا، بل هي طوابيق قد تكون من الذهب والفضة، وأشياء لا تخطر في البال.
-(يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها).. انظروا إلى هذا القصر الغريب!.. يبدو أنه قصر زجاجي مكشوف، هذا القصر من المؤكد أنه يطل على مناظر جميلة، فرب العالمين له أشكال وألوان من القصور!..
-( يسكنها من أمتي)..هذه عناية خاصة لبعض المؤمنين.. لذا، على الإنسان أن يحاول العمل بهذه الرواية:
أولاً: طيب الكلام.. أي كلامه طيب، أما صاحب الفحش؛ فهذا كلامه غير طيب، كالمغتاب مثلاً.. بعض الناس لا يُسمع منه كلام فحش، ولا أي كلام قاسٍ، بل من الصباح إلى الليل وهو يهش ويبش!.. روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (المؤمن بشره في وجهه، وحزنه في قلبه).. المؤمن بشره للعالم لا للمؤمنين ولا للمسلمين فقط، بل للعالم!..
ثانياً: إطعام الطعام.. إن إطعام الطعام ليس في كل يوم، ولكن إجمالاً له صفة إطعام الطعام، وهذه صفة إبراهيمية، فإبراهيم صار خليلاً لإطعامه الطعام، قال رسول الله (): (ما اتّخذ الله إبراهيم خليلاً؛ إلاّ لإطعامه الطعام، وصلاته باللّيل والناس نيام).. أيضا هذا أمر سهل، وهذه الأيام باتصال هاتفي بالمطاعم، يأتي الإنسان بأنواع الطعام؛ فهذا من مصاديق إطعام الطعام؛ فهو لم يقل: طبخ الطعام!..
ثالثاً: إفشاء السلام.. بعض الناس لا يسلم، حتى يُسلّم عليه.. فإن سلموا عليه، يرد السلام لأن هذا تكليف، وواجب شرعي كما ورد عن رسول الله ():(السلام تطوع، والرد فريضة).. بينما من صفات المؤمن أنه هو الذي يبادر بإلقاء التحية والسلام، وثواب البدء بالسلام أكثر من رد السلام.. عن أبي عبد الله (عليه السلام):(البادئ بالسلام، أولى بالله وبرسوله ()).. وفي رواية أخرى عنه (عليه السلام): (من قال: السلام عليكم؛ فهي عشر حسنات.. ومن قال: سلام عليكم ورحمة الله؛ فهي عشرون حسنة.. ومن قال: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ فهي ثلاثون حسنة).. وإفشاء السلام؛ أي أن يُسلّم على كل ما يلقاه؛ وهذه صفة طيبة في المؤمن!..
رابعاً: قيام الليل.. إن هذا المطلب هو الأصعب، ولكنه أيضاً سهل لأهله!.. فهذا القصر المتميز، هذا القصر الزجاجي؛ يستحق هذا العمل؛ ألا هو الصلاة والناس نيام.
فإذن، هو في النهار: يسلم، ويطعم الطعام، ويطيب الكلام.. وفي الليل: يقيم الصلاة!.. هكذا المؤمن يجمع بين علاقة متميزة بالله عز وجل، وبين الناس.
eddirasa-dz- الاعضاء
- sms :
الجنس :
المشاركات : 137
التسجيل : 09/08/2015
تاريخ الميلاد : 18/11/1996
رد: ..[ درجات الجنة العليا ]..
بارك الله فيك مواضيع اسلامية شيقة
MEDICINEDZ- المميزين
- sms :
الجنس :
المشاركات : 979
التسجيل : 04/05/2015
تاريخ الميلاد : 13/06/1982
مواضيع مماثلة
» تفسير"لا يستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون
» مئات القتلى في زلزال بقوة 7,9 درجات في النيبال
» في الهند، ارتفاع درجات الحرارة يذيب الشوارع ..!
» طهران: ايران مستعدة لتطبيق "اعلى درجات" الشفافية
» زلزال بقوة 6,1 درجات شرق جزيرة كريت (المعهد الاميركي)
» مئات القتلى في زلزال بقوة 7,9 درجات في النيبال
» في الهند، ارتفاع درجات الحرارة يذيب الشوارع ..!
» طهران: ايران مستعدة لتطبيق "اعلى درجات" الشفافية
» زلزال بقوة 6,1 درجات شرق جزيرة كريت (المعهد الاميركي)
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى