شياطين الشعراء ,, بين الحقيقة والخيال
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
شياطين الشعراء ,, بين الحقيقة والخيال
لقد تكرر على مسامع العديد من أهل الأدب الحديث عن شياطين الشعراء وفي هذا قال ابن المروزي: حدثني أبي قال:
خرجت على بعير لي صعبٍ، يمر بي لا يملكني من أمر نفسي شيئاً، حتى مر على جماعة ظباءٍ في سفح جبل على قمته رجلٌ عليه أطمارٌ له،
فلما رأتني الظباء هربت، فقال: ما أردت إلى ما صنعت؟ إنكم لتعرضون بمن لو شاء قدعكم عن ذلك،
قال : فدخلني عليه من الغيظ ما لم أقدر أن أحمله، فقلت:
إن تفعل بي ذلك لا أرضى لك،
فضحك، ثم قال: إمض عافاك الله لبالك،
قال: فجعلت أردد البعير في مراعي الظباء لأغضبه،
فنهض وهو يقول: إنك لجليد القلب! ثم أتاني فصاح ببعيري صيحةً ضرب بجرانه الأرض، ووثبت عنه إلى الأرض، وعلمت أنه جان،
فقلت: أيها الشيخ! إنك لأسوأ مني صنيعاً.
فقال: بل أنت أظلم وألأم، بدأت بالظلم ثم لؤمت في تركك المضي،
فقلت: أجل! عرفت خطئي.
قال: فاذكر الله فقد رعناك، وبذكر الله تطمئن القلوب،
فذكرت الله تعالى، ثم قلت دهشاً: أتروي من أشعار العرب شيئاً؟
فقال: نعم! أروي وأقول قولاً فائقاً مبرزاً.
فقلت: فأرني من قولك ما أحببت، فأنشأ يقول: البسيط :
طافَ الخيالُ علَينا لَيلةَ الوادي،... من آلِ سَلمى ولم يُلمِمْ بميْعادِ
أنّى اهتَديتَ إلى مَن طالَ لَيلُهُمُ... في سَبسبٍ ذاتِ دَكْدَاكٍ وأعقادِ
يُكَلِّفُونَ فَلاها كلَّ يَعْمَلَةٍ... مثلَ المَهاةِ، إذا ما حَثَّها الحادي
أَبلِغْ أبا كَرَبٍ عنّي وأُسْرَتَهُ... قولاً سَيَذهَبُ غَوراً بعدَ إنجادِ
لا أعرِفَنَّكَ بَعْدَ اليَومِ تَندُبُني... وفي حَياتيَ ما زَوَّدْتَني زادي
أمَّا حِمامُكَ يوماً أنتَ مُدرِكُهُ... لا حاضرٌ مُفلِتٌ منهُ، ولا بادِ
فلما فرغ من إنشاده قلت: لهذا الشعر أشهر في معد بن عدنان من ولد الفرس الأبلق في الدهم العراب هذا لعبيد بن الأبرص الأسدي،
فقال: ومن عبيد لولا هبيد!
فقلت: ومن هبيد؟ فأنشأ يقول: المتقارب :
أنا ابنُ الصّلادِمِ أُدعى الهبيدَ،... حبَوتُ القَوافيَ قَرْمَيْ أسَدْ
عَبيداً حَبَوتُ بمأْثُورَةٍ،... وأَنْطَقْتُ بِشراً على غَيرِ كَدّ
ولاقَى بمُدرِكَ رَهطُ الكُمَيتِ... مَلاذاً عَزيزاً ومَجداً وَجَدّ
مَنحاناهُمُ الشِّعرَ عن قُدرَةٍ... فهَل تَشْكُرُ اليَومَ هذا مَعَدّ
فقلت: أما عن نفسك فقد أخبرتني، فأخبرني عن مدرك،
فقال: هو مدرك بن واغم، صاحب الكميت، وهو ابن عمي، وكان الصلادم وواغم من أشعر الجن، ثم قال:
لو أنك أصبت من لبنٍ عندنا؟
فقلت: هات ، وكنت أريد الأنس به ، فذهب فأتاني بعسٍّ فيه لبن ظبي ، فكرهته لزهومته
فقلت: إليك، ومججت ما كان في فمي منه، فأخذه ثم قال: إمض راشداً مصاحباً!
فوليت منصرفاً فصاح بي من خلفي:
أما إنك لو كرعت في بطنك العس لأصبحت أشعر قومك. قال أبي: فندمت أن لا أكون كرعت عسه في جوفي على ما كان من زهومته، وأنشأت أقول في طريقي، الطويل
أسِفتُ على عُسِّ الهَبيدِ وشُربِهِ،... لَقَدْ حَرَمَتْنيهِ صُرُوفُ المَقادِرِ
ولو أنَّني إذْ ذاك كنتُ شَرِبتُهُ... لأصْبَحتُ في قَوميْ لَهم خيرَ شاعرِ
نعوذ بالله من شياطين الشعر وما مجن به الشعراء ومني بالغ التقدير .. :Rose:
MEDICINEDZ- المميزين
- sms :
الجنس :
المشاركات : 979
التسجيل : 04/05/2015
تاريخ الميلاد : 13/06/1982
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى